فصل: الشاهد السابع والأربعون بعد الأربعمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.حصار الإفرنج أسد الدين شيركوه في بلبيس.

كان أسد الدين شيركوه بن شادي عم صلاح الدين قد بعثه نور الدين العادل سنة تسع وخمسمائة منجدا لشاور وزير العاضد صاحب مصر على قريعه الضرغام كما سيأتي في أخبارهم إن شاء الله تعالى وسار نور الدين من دمشق في عساكره إلى بلاد الإفرنج ليشغلهم عن أسد الدين شيركوه وخرج ناصر الدين أخو الضرغام في عساكر مصر فهزمه أسد الدين على تنبس وأتبعه إلى القاهرة ونزلها إلى منتصف السنة وأعاد شاور إلى الوزراة ونقض ما بينه وبين أسد الدين وتأخر إلى تنيس وخشى منه ودس إلى الإفرنج يغريهم به وبذل لهم المال فطمعوا بذلك في ملك الديار المصرية وسار ملك القدس في عساكر الإفرنج واجتمعت معه عساكر المسلمين وساروا إلى أسد الدين فحاصروه في بلبيس ثلاثة ولم يظفروا منه بشيء ثم جاءهم الخبر بأن نور الدين العادل هزم أصحابهم على خارد وفتحها ثم سار إلى بانياس فسقط في أيديهم وطلبوا الصلح من أسد الدين ليعودوا إلى بلادهم لذلك وخرج من بلبيس سائرا إلى الشام ثم عاد إلى مصر سنة اثنتين وستين وعبر النيل من أطفح ونزل الجزيرة واستمد شاور الإفرنج فساروا إليه بجموعهم وكان أسد الدين قد سار إلى الصعيد وانتهى إلى فسار الإفرنج والعساكر المصرية في أثره فأدركوه منتصف السنة وإستشار أصحابه فاتفقوا على القتال وأدركته عساكر الإفرنج ومصر وهو تعبيته وقد أقام مقامه في القلب راشد حذرا من حملة الإفرنج وانحاز فيمن يثق به من شجعان أصحابه إلى الميمنة فحمل الإفرنج على القلب فهزموهم وأتبعوهم وخالفهم أسد الدين إلى من تركوا وراءهم من العساكر فهزمهم وأثخن فيهم ورجع الإفرنج من أثناء القلب فانهزموا وإنهزم أصحابهم ولحقوا بمصر ولحق أسد الدين بالإسكندرية فملكها صلحا وأنزل بها صلاح الدين ابن أخيه وحاصرته عساكر الإفرنج ومصر وزحف إليهم عمه أسد الدين من الصعيد فبعثوا إليه في الصلح فأجابهم على خمسين ألف دينار يعطونها إياه ولا يقيم في البلد أحد من الإفرنج ولا يملكون منها شيئا فقبلوا ذلك وعادوا إلى الشام وملك أهل مصر الإسكندرية وإستقر بينهم وبين الإفرنج أن ينزلوا بالقاهرة شحنة وأن يكون أبوابها في غلقها وفتحها بأيديهم وأن لهم من خراج مصر مائة ألف دينار في كل سنة ولم ذلك منه وعاد الإفرنج إلى بلادهم بالسواحل الشامية والله تعالى أعلم.

.حصار الإفرنج القاهرة.

ثم كان مسير أسد الدين إلى مصر وقتله شاور سنة أربع وستين باستدعاء العاضد لما رأى من تغلب الإفرنج كما نذكر في أخبار أسد الدين وأرسل إلى الإفرنج أصحابهم الذين بالقاهرة يستدعونهم لملكها وبهونونها عليهم وملك الإفرنج يومئذ بالشام مرى ولم يكن ظهر فيهم مثله شجاعة ورأيا فأشار بأن جبايتها لنا خير من ملكها وقد يضطرون فيملكون نور الدين منها وأن ملكها قبلنا احتاج إلى مصانعتنا فأبوا عليه وقالوا إنما نزداد بها قوة فرجع إلى رأيهم وساروا جميعا إلى مصر وانتهوا إلى تنيس في صفر سنة أربع وستين فملكوها عنوة واستباحوها ثم ساروا إلى القاهرة وحاصروها وأمر شاور بإحراق مصر وانتقال أهلها إلى القاهرة فنهبت المدينة ونهب أموال أهلها وبغتهم قبل نزول الإفرنج عليهم بيوم فلم تخمد النار مدة شهرين وبعث العاضد بالصريخ إلى نور الدين واشتد عليه الحصار وبعث شاور إلى ملك الإفرنج يشير بالصلح على ألف دينار مصرية ويهدده بعساكر نور الدين فأجابوا إلى ذلك ودفع إليهم مائة ألف دينار وتأخروا قريبا حتى يصل إليهم بقية المال وعجز عن تحصيله والإفرنج يستحثونه فبعثوا خلال ذلك إلى نور الدين يستنجدونه على الإفرنج بأن يرسل إليهم أسد الدين شيركوه في عسكر يقيمون عندهم على أن لنور الدين ثلث بلاد مصر ولأسد الدين إقطاعه وعطاء العساكر فاستدعى أسد الدين من حمص وكانت إقطاعه وأمره بالتجهيز إلى مصر وأعطاه مائتي ألف دينار سوى الدواب والأسلحة وحكمه في العساكر والخزائن وما يحتاج إليه وسار في ستة آلاف وأزاح علل جنده وأعانهم أسد الدين بعشرين دينارا لكل فارس وبعث معه جماعة من الأمراء منهم خرديك مولاه وعز الدين قليج وشرف الدين بن بخش وعين الدولة الياروقي وقطب الدين نيال بن حسان وصلاح الدين يوسف ابن أخيه أيوب وسار إلى مصر فلما قاربها ارتحل الإفرنج راجعين إلى بلادهم ودخل هو إليها منتصف السنة وخلع عليه العاضد وأجرى عليه وعلى عسكره الجرايات الوافرة ثم شرع شاور في مماطلة أسد الدين بما وقع إتفاقهم معه عليه وحدث نفسه بالقبض عليه واستخدام جنده لمدافعة الإفرنج ولم يتم له ذلك وشعر به أسد الدين فاعترضه صلاح الدين ابن أخيه وعز الدين خرديك مولاه عند قبر الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه وقتلاه وفوض العاضد أمور دولته إلى أسد الدين وتقاصر الإفرنج عنها ومات أسد الدين واستولى صلاح الدين بعد ذلك على البلاد وارتجع البلاد الإسلامية من يد الإفرنج كما نذكر في أخبار دولته والله أعلم.